قام عن العشاء وخلع ثيابه
شبهة والرد عليها
شبهة والرد عليها
قام عن العشاء وخلع ثيابه : هل هذا تعريّ ؟؟
نقرأ كثيرا في الكتاب المقدس عن أناس خلعوا ثيابهم امام الجماهير ، فهل تعروا ام كانوا يلبسون تحت الثياب ملابس اخرى ؟
كان اليهودي في ذلك الوقت يلبس قميصا (ملابس داخلية) تحت الثياب والرداء (الملابس الخارجية) ، وقد يضيف الى ذلك (الجبة او الحلة ) للاغنياء او الكهنة . فاذا خلع اليهودي ثيابه او ردائه فهو لم يتعري.
************
لم أكن لأعبأ بهذه الشبهة الساذجة، لولا انني وجدتها تزداد انتشارا على صفحات الشبكة العنكبوتية ، فقلت لماذا الصمت والرد موجود ، يحاول الاخوة المسلمين بشتى الطرق توجيه الاهانة تلو الاهانة الى شخص الرب يسوع المسيح ، معتقدين انهم بنقدهم لما جاء عنه في الانجيل فانما يقدمون خدمة لله، غير عالمين انهم انما يكللون انفسهم بتهمة الجهل بما جاء في الكتاب المقدس، وهذه احدى الشبهات التي يؤكدون فيها جهلهم بعادات وتقاليد الشرق في زمن المسيح .
جاء في الكتاب المقدس :
(1 اما يسوع قبل عيد الفصح وهو عالم ان ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم الى الآب اذ كان قد احب خاصته الذين في العالم احبهم الى المنتهى. 2 فحين كان العشاء وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا سمعان الاسخريوطي ان يسلمه. 3 يسوع وهو عالم ان الآب قد دفع كل شيء الى يديه وانه من عند الله خرج والى الله يمضي. 4 قام عن العشاء وخلع ثيابه واخذ منشفة واتّزر بها. 5 ثم صبّ ماء في مغسل وابتدأ يغسل ارجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزرا بها.) (يوحنا 13: 1- 5)
يقتبس الاخوة المسلمين هذه الكلمات، ويفسرونها على انه اذ خلع ثيابه فانه قد تعرى، فهل خلع الثوب معناه التعري حقا ؟؟
هذا ما سوف نقوم بايضاحه في هذه المقال، ولكن اولا دعنا نقرأ بعض الفقرات الاخرى التي جاءت في الكتاب المقدس عن اناس خلعوا ثيابهم امام الآخرين، ولكنها لا تقول بانهم اصبحوا عرايا بالمعنى الذي يريد الاخوة المشككين ان يوهموا به قارئي شبهاتهم، وهي دعوة للمسلمين البسطاء، ان يقرأوا الكتاب المقدس بانفسهم حينما يتعرضون لشبهات الاخوة المضللين والضالين .
*** نقرأ عن دخول المسيح الى اورشليم، ان الجموع الاكثرية خلعت الثياب وفرشتها على الارض (والجمع الاكثر فرشوا ثيابهم في الطريق. وآخرون قطعوا اغصانا من الشجر وفرشوها في الطريق) (متى 21: 8)، فهل يفهم الاخ المسلم انها كانت حفلة للتعري جماعية في الطريق العام؟
*** في حادثة استشهاد استفانوس بالرجم، قيل عن منفذي الرجم انهم خلعوا ثيابهم عن قدمي شاول ، اي انهم ارادوا مزيد من حرية الحركة ، وليس المقصود منها انهم اصبحوا عراة امام الجماهير المشاهدة، (58 واخرجوه خارج المدينة ورجموه. والشهود خلعوا ثيابهم عند رجلي شاب يقال له شاول. 59 فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول ايها الرب يسوع اقبل روحي. ) (اعمال 7: 58 – 59)
*** قال السيد المسيح في احدى عظاته:
(ومن اراد ان يخاصمك وياخذ ثوبك فاترك له الرداء ايضا.)
(متى 5: 40)
(من ضربك على خدك فاعرض له الآخر ايضا.ومن اخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك ايضا.)
(لوقا 6: 29)*** نقرأ عن رئيس الكهنة في محاكمة المسيح انه شق ثيابه امام الجميع، فهل هذا تعريّ ؟ ( فمزق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلا قد جدف.ما حاجتنا بعد الى شهود.ها قد سمعتم تجديفه.) (متى 26: 65)
*** نقرأ في العهد القديم عن اكثر من حادثة مزق فيها الملك ثيابه امام الجميع، فهل معناها انه تعري؟ (صموئيل الثاني 13: 31) ، (ملوك الثاني 6: 30) ، فهل كل هذه الحوادث تعري ؟
*** منها نفهم ان الملابس الخارجية لليهودي كانت عبارة عن الثوب والرداء، ولكن هل هذا كل ما كان يلبسه الانسان اليهودي، فاذا خلع الثياب والرداء اصبح عريانا تماما؟
**********
كانت الملابس في ذلك العصر في الترتيب من الداخل الى الخارج :
القميص، ثم جبة الرداء، ثم الرداء، ثم الثوب الخارجي.
ولهذا نجد السيد المسيح حينما كان يخلعون عنه الثياب ليجهزوه للصليب ، نقرأ ان الثياب كانت من اربعة اقسام ، كان يلبس تحتها قميصا بغير خياطة منسوجا كله من فوق (قطعة الملابس الداخلية في زمانهم) :
"23 ثم ان العسكر لما كانوا قد صلبوا يسوع اخذوا ثيابه وجعلوها اربعة اقسام لكل عسكري قسما. واخذوا القميص ايضا. وكان القميص بغير خياطة منسوجا كله من فوق. 24 فقال بعضهم لبعض لا نشقه بل نقترع عليه لمن يكون.ليتّم الكتاب القائل اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا قرعة. هذا فعله العسكر" (يوحنا 19 :23-24)
ونقرأ ايضا عن ملابس او ثياب هرون في سفر الخروج كما يلي ، وجاء ترتيبها من الخارج الى الداخل :
(وهذه هي الثياب التي يصنعونها صدرة ورداء وجبّة وقميص مخرّم وعمامة ومنطقة.فيصنعون ثيابا مقدسة لهرون اخيك ولبنيه ليكهن لي.)
(خروج 28: 4)(وتصنع لهم سراويل من كتان لستر العورة. من الحقوين الى الفخذين تكون.)
وجاء ترتيبها هنا من الداخل الى الخارج :
(وتاخذ الثياب وتلبس هرون القميص وجبة الرداء والرداء والصدرة وتشده بزنّار الرداء.) (خروج 29 : 5)
ونقرأ هنا الثياب باكثر تفصيل كما يلي :
القميص ، منطقة (اي حزام) ، ثم الجبة ، ثم الرداء ، ثم منطقة أو زنّار الرداء (اي حزام) ثم تلي ذلك الصدرة.
(6 فقدم موسى هرون وبنيه وغسلهم بماء. 7 وجعل عليه القميص ونطّقه بالمنطقة وألبسه الجبة وجعل عليه الرداء ونطّقه بزنّار الرداء وشدّه به. 8 ووضع عليه الصدرة وجعل في الصدرة الاوريم والتّمّيم. 9 ووضع العمامة على راسه ووضع على العمامة الى جهة وجهه صفيحة الذهب الاكليل المقدس كما امر الرب موسى. ) (لاويين 8: 6 – 9)
ولسنا بصدد شرح ملابس او ثياب الكهنة ، ولكن يكفي ان نتعرف على ترتيب الملابس من الداخل الى الخارج ، فنعرف ان القطعة الداخلية كانت تسمى القميص ، والقطع الخارجية كانت تتكون من الرداء والثوب ، وقد يضاف اليهم الجبة في حالة الكهنة أو الاغنياء (1 صموئيل 18: 4) ، وكانوا يلبسون ايضا (السراويل) تحت هذه الملابس.
(ثم أوثق هؤلاء الرجال في سراويلهم واقمصتهم وارديتهم ولباسهم وألقوا في وسط أتون النار المتقدة.) (دانيال 3: 21)
**********
بقىّ ان نعرف ان الاحتفال بأكل خروف الفصح كان يتم بكامل ملابس الانسان اليهودي، بحسب أمر الرب للاحتفال بذكرى الفصح الاول الذي تم على عجالة اثناء خروجهم من ارض مصر (وهكذا تاكلونه احقاؤكم مشدودة واحذيتكم في ارجلكم وعصيكم في ايديكم. وتاكلونه بعجلة. هو فصح للرب.) (الخروج 12: 11)
**********
ما يهمنا ايضاحه هنا والتأكيد عليه، ان الاخوة المسلمين الذين يريدون بجهالة ان ينسبوا الاخطاء الى الكتاب المقدس ، فيشوهون كل شيء وكل شخص، حتى الرب يسوع المسيح، فاتهم ان يقرأوا في الفقرة التي ساقوها لاثارة شبهتهم، المعنى الحقيقي الذهبي والجوهري الكامن في هذه الفقرة ، ان ما فعله السيد المسيح هو دليل المحبة الشديدة لتلاميذه والمؤمنين به، انه تنازل وتواضع ليغسل ارجل التلاميذ، وهي في ذلك الوقت كانت تمتليء باتربة الطرقات غير المعبدة، والاوحال الناتجة عن الامطار او اختلاط الاتربة برش الماء لتسكينها فلا تثير الغبار في الطريق.
**********
هذه الاقدام الموحلة والقذرة، هي اقدامي واقدامك، التي تواضع الرب يسوع المسيح ليغسلها لنا بيديه الكريمتين ، ولهذا خلع ثيابه ، ليكون له مجالا اكثر حرية في الحركة ليقوم بالعمل على اكثر اتقانا ويقدم خدمته باكثر جودة ، وهو القائل عن نفسه :
(كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ) |
هذا المنظر الذي ارتضى الرب يسوع المسيح ان يكون عليه، سواء في هذا الموقف لغسل ارجل التلاميذ، او عندما عروه حقيقة وخلعوا عنه ثيابه وقميصه قبل الصلب، قال عنه النبي اشعياء بروح النبوة، ان هذا من اجلنا، ولكن من يصدق ؟
(1 من صدق خبرنا ولمن استعلنت ذراع الرب. 2 نبت قدامه كفرخ وكعرق من ارض يابسة لا صورة له ولا جمال فننظر اليه ولا منظر فنشتهيه. 3 محتقر ومخذول من الناس رجل اوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به) (اشعياء 53: 1 – 3)
نصلي ان ينير الرب بصائر العميان ويطلق المأسورين احرارا في المسيح يسوع.