هل قول المسيح ناسخا ومنسوخ
عندما كان يقول ( سمعتم انه قيل .... واما انا فاقول لكم ....) ؟؟
*******
بالطبع الاجابة المباشرة هي لا ، فقد قال المسيح ايضا في نفس الاصحاح (متى الاصحاح 5) والمعروف باسم الموعظة على الجبل :
(لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء.ما جئت لانقض بل لاكمّل)
ولكي نفهم معنى قول المسيح (سمعتم انه قيل ...) يجب ان نفهم انه لم يكن يشير الى الناموس المكتوب، والا لقال ( مكتوب في الناموس ...) كما هي عادته عند الاشارة الى التوراة او المكتوب فيها ، ولكن السيد يسوع المسيح قال بوضوح ( سمعتم انه قيل...) في اشارة الى تعليم اليهود الناموسيين في تفسيرهم الى الناموس .
علينا ان ندرك اولا ان اليهود في ذلك الوقت كانت لغتهم هي الآرامية وليست العبرية، والتوراة مكتوبة بالعبرية على الورق، وغير متاحة للجميع فقط لطبقة المعلمين اليهود الذين يعيدون نسخ الكتب باليد (الكتبة) والمعلمين المتشديين (الفريسيين) ، الذين كانوا يقرأون ويفسرون للشعب ، فكانوا يفسرون لهم مثلا ( العين بالعين والسن بالسن ) على انه عمل شخصي يقوم به الشخص للانتقام والثأر .. فيقولون من ضرب احدا على عينه وسبب له ضررا يحق للآخر ان يثأر لنفسه فيذيقه من نفس الكأس.
وبالطبع (المكتوب) كان شيئا مختلفا تماما، فقراءة واعية متفهمة لسياق النص بدون اجتزاء او تفسير مبتور يقول ان قانون (العين بالعين والسن بالسن) لم يكن موجها لكل واحد ليسهل له الثأر الشخصي ، وانما كان توجيها للقضاة والمحكّمين لتحقيق العدالة عند الاحتكام الى القانون بكل ادواته من شهود وقضاة وشيوخ ومحكمة واستماع وتفكير وتداول.
كان معلمين اليهود يستميلون الشعب اليهم بأن يعطوهم ما تطلبه النفس البشرية الساقطة في الخطية من تحقيق شهوة الانتقام، وكان هذا تفسيرهم الخاطيء لتعليم الناموس المكتوب ، الامر الذي جاء السيد المسيح ليصححه ويقوّمه (لم ينقض الناموس) ولكنه يكمّله ويوضحه ويفسره على صورته الحقيقية، بل ويرتقي به الى مرحلة اعلى من النضج البشري والحضاري فيطلب المسيح من الناس على المستوي الشخصي تغليب الخير والجمال والحب في الانسان، فكان يحضهم على التسامح والمغفرة ومحاولة حل الامور بالتفاهم الشخصي قبل اللجوء الى القضاء والمحاكمة .
(كن مراضيا لخصمك سريعا ما دمت معه في الطريق.لئلا يسلمك الخصم الى القاضي ويسلمك القاضي الى الشرطي فتلقى في السجن.) (متى 5: 25)
لم يكن كلام السيد المسيح ناسخا ومنسوخ ، بل تصحيح لتعليم شفاهي خاطيء التفسير عن التوراة المكتوبة التي كانت في يد الصفوة غير الامينة على التفسير والتعليم والتي كان السيد المسيح دائما يلومهم ويؤنبهم في مواضع عديدة من خدمته وكلامه.
*******