ثانيا : قصة السقوط في القرآن
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
(البقرة 34 – 38)
ثم يحكي القرآن القصة بصورة مختلفة وبتفصيل في سورة الاعراف :
( وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ * وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ )( الاعراف 11 – 25) ثم يحكي القصة مرة ثالثة بصورة مختلفة ايضا في سورة طه :( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)
( طه 120 – 123)
نأتي الى قصة المعصية و سقوط آدم ، وتثار هذه التساؤلات .
(1) اذا كان القرآن هو وحي باملاء الله ، فلماذا جاءت الاملاءات مختلفة في كل مرة ؟
(2) القصة في سورة البقرة تذكر سبب سقوط ابليس وهو انه استكبر ورفض الانصياع الى امر الله بالسجود الى آدم ، وبالرغم من اننا لا نفهم ما هو الخطأ في عدم سجود ابليس لغير الله ، الا اننا نتسائل مرة اخرى عند قراءة سورة الاعراف ، فهي تصور تساهل الله مع الشيطان ، نقرأ أن الله أمر بطرد الشيطان من الجنة عند عصيان أمر السجود (اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها ) الا انه عندما استأذن الشيطان في ان يبقيه الله حتى يوم يبعثون ، اذن الله له بذلك ( انك من المنظرين) ، ولكن اساء الشيطان الادب في إجابة الله بعدها مما استدعى الله ان يأمر بطرده من الجنة ( اخرج منها مذءوما مدحورا) .
(3) نجد الشيطان مرة اخرى متواجدا في الجنة يحاور آدم وحواء ، فكيف دخل الشيطان الى الجنة مرة اخرى ، وكيف تحايل على أمر الله بالطرد والخروج منها ، وكيف تسلل الى الجنة ، لا نعلم ولا تفسير لهذا في القرآن ، اللهم الا تفسيرات المسلمين الذين رجعوا الى رواية التوراة .
(4) عند عصيان آدم نجد ان الله أمر بطرده من الجنة مع الشيطان ( أهبطوا بعضكم لبعض عدو ) ، وبالرغم من أن الاخوة المسلمين يحاولون ان يشرحوا لنا أن الله غفر لآدم بقوله ( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه انه هو التواب الرحيم ) الا اننا لا نستطيع ان نفهم كيف غفر الله له ومع ذلك أصّر على طرده مع الشيطان ، فاذا كان نزول آدم الى الارض هو تكريما له ليكون خليفة عليها ( كما يقولون) ، فلماذا تم الامر بهبوط آدم وحواء والشيطان ( أهبطوا) ، فهل الشيطان أيضا مكلف بالخلافة على الارض ؟؟ .
(5) ما نفهمه من القرآن ان الله ( تاب) عليه اي بالطرد من الجنة ، وكلنا ندرك ان التوبة شيء والغفران شيء آخر ، فأبسط الامثلة تقول انه اذا كان هناك سارق وتم القبض عليه ، فتوبته شيء وغفران الحكومة واسقاط العقوبة شيء آخر ، التوبة هي التوقف عن فعل المعصية ، والغفران هو اسقاط العقوبة والغائها . ( وسوف اناقش هذه الجزئية بأكثر تفصيل ) ، ولكن نكتفي هنا بالقول أن ما نراه في القرآن ان العقوبة بالطرد من الجنة تمت على آدم وحواء كما تمت على الشيطان ( أهبطوا) .
(6) بحسب قصة القرآن فان آدم كان موجود في جنة في السماء وليست على الارض ، يقول الجلالين (وَقُلْنَا اهْبِطُوا" إلَى الْأَرْض) وعلى ما ذكره القرطبي في تفسيره (البقرة 38) (وَقِيلَ : الْهُبُوط الْأَوَّل مِنْ الْجَنَّة إِلَى السَّمَاء وَالثَّانِي مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض وَعَلَى هَذَا يَكُون فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجَنَّة فِي السَّمَاء السَّابِعَة كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث الْإِسْرَاء عَلَى مَا يَأْتِيكَرَّرَ الْأَمْر عَلَى جِهَة التَّغْلِيظ وَتَأْكِيده , كَمَا تَقُول لِرَجُلٍ : قُمْ قُمْ . وَقِيلَ : كَرَّرَ الْأَمْر لَمَّا عَلَّقَ بِكُلِّ أَمْر مِنْهُمَا حُكْمًا غَيْر حُكْم الْآخَر فَعَلَّقَ بِالْأَوَّلِ الْعَدَاوَة وَبِالثَّانِي إِتْيَان الْهُدَى . وَقِيلَ : الْهُبُوط الْأَوَّل مِنْ الْجَنَّة إِلَى السَّمَاء وَالثَّانِي مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض وَعَلَى هَذَا يَكُون فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجَنَّة فِي السَّمَاء السَّابِعَة كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث الْإِسْرَاء عَلَى مَا يَأْتِي" name=hidtafseer0>)
http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?l=arb&taf=KORTOBY&nType=1&nSora=2&nAya=38
وعلى هذا فوجودنا على الارض اكبر دليل اننا مطرودين من الجنة ولم نعد اليها ، اذا فلم يحدث ان غفر الله لآدم بحسب القرآن بل قد تم الطرد بوعد أن يعود الى الجنة من يتبع هدى الله
(7) اذا كان آدم قد تم طرده من الجنة ( سواء في السماء أو على الارض ) وكما رأينا كان هذا الطرد هو العقوبة على عصيانه ، فلماذا لا يعود بنا الله الى الجنة نحن الذين لم نكن مع آدم وليس لنا أي ذنب في عصيانه ؟؟ ، يقول الجلالين ("وَقُلْنَا اهْبِطُوا" إلَى الْأَرْض أَيْ أَنْتُمَا بِمَا اشْتَمَلْتُمَا عَلَيْهِ مِنْ ذُرِّيَّتكُمَا "بَعْضكُمْ" بَعْض الذُّرِّيَّة "لِبَعْضٍ عَدُوّ" مِنْ ظُلْم بَعْضكُمْ بَعْضًا)
http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&nSora=2&nAya=36&taf=GALALEEN&l=arb&tashkeel=0
فاذا كان هذا هو التفسير ، فلماذا يحتج المسلمون على التفسير المسيحي أن الجميع أخطأ في آدم بالعصيان ؟
نحن لا نقول بوراثة الخطية الاولى ، ولكن نقول اننا ولدنا بهذه الطبيعة الخاطئة التي تأبى طاعة الله ، وترغب دائما في المعصية والاكل من الشجرة المحرمة ( او بمعنى آخر ) لدينا الطبيعة التي تقول أن كل ممنوع مرغوب .
(8) يقول ابن كثير في تفسيره ( لآية الاعراف 24) قِيلَ الْمُرَاد بِالْخِطَابِ فِي" اِهْبِطُوا " آدَم وَحَوَّاء وَإِبْلِيس وَالْحَيَّة وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُر الْحَيَّة وَاَللَّه أَعْلَم .
http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?l=arb&taf=KATHEER&nType=1&nSora=7&nAya=24
وهنا تواجهنا مرة اخرى ثلاث أفكار :
الفكرة الاولى : اذا كان الطرد لآدم وحواء ونسلهما ، فيكون الشيطان غير معني بالطرد ، ويكون له البقاء في الجنة وطرد آدم وحواء فقط ، فاذا الطرد هو عقوبة وليس تكريم ولا تشريف ولا تكليف بالعمل في الارض واعمارها كما يقولون
الفكرة الثانية : اذا كان امر الطرد لآدم وحواء والشيطان ، فهذا دليل على ان الطرد ليس تشريف ولا تكليف باعمار الارض كما يقولون ، ويبقى التساؤل ، حيث ان هذا الطرد هو عقوبة ، فلماذا نحن ايضا مطرودون من الجنة ؟؟ وما علاقتنا نحن بالامر حتى يكون الامر بالطرد من الجنة يشملنا نحن ذرية ونسل آدم ؟
الفكرة الثالثة : اذا كان أمر الطرد لآدم وحواء وما اشتملا عليه من الذرية والشيطان ، فما هو احتجاج المسلمين اذا قلنا اننا كلنا كنا في صلب آدم حينما عصى ، وقد ولدنا جميعا خارج الجنة .