كتاب حبة الحنطة
للاب متي المسكين
قال المسيح لليونانيين قبل الصليب، مثل حبة الحنطة ثم بدأ يشرحه:
يوحنا : " من يحب نفسه يهلكها ، ومن يبغض نفسه فى هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية "
مرقس : " من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلى ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها(مرقس 8 : 35)
متى : "من وجد حياته يضيعها، ومن أضاع حياته من أجلى يجدها"(متى10: 39)
**********
النفس موضوعة بين الجسد والروح، كما يقول مارإسحق، فهى إما تتحد مع الجسد وتتعاطف معه ضد الروح، وإما تتحد مع الروح وتتعاطف معه ضد الجسد. وهكذا تكون النفس إما جسدانية وإما روحانية. لأن الكتاب يقول إن الجسد يشتهى ضد الروح والروح ضد الجسد، وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون النفس هى القاعدة التى تصدر عنها العواطف والتى تحوى الحياة الجسدية. الروح هى القاعدة التى تستقبل التأثيرات الروحية وتعبر عنها ، والتى تتصل بالله وتحبه.
**********
نحن مطالبون أن نجعل النفس تنحاز للروح حتى يكون لها حياة أبدية، وإلا فإنها تهلك إذا إنحازت للجسد، أى تحرم من الحياة الأبدية.
الجسد من التراب وإلى التراب يعود ويموت لذلك يقول الكتاب إن إهتمام الجسد هو موت. وأيضاً إن عشتم حسب الجسد فستموتون. الذى يلتصق بالفانى يفنى والذى يحمع حوله الفانيات سيفنى معها. الروح التى فى داخل الإنسان هى نفخة من الله وهى التى تجعل الإنسان نفساً حية ذات جسد حى.
الجسد بشهواته وغرائزه مخلوق أصلاً على غير فساد ومهيأ ليخضع لقانون الروح وينضبط بالروح دون أن يفقد شيئاً قط من شهواته وغرائزة الطبيعية، بل على العكس إذا خضع الجسد للروح وإنضبط بقيادة الروح فإنه يصير جسداً كاملاً ومتزناً ويزكى لحياة أهدأ وأطول وأسعد (حسب الجسد).
نظراً لأننا نبدأ حياة الروح بالميلاد الجديد كبداية من الصفر، حيث يكون الجسد قد عاش مدة طويلة بدون ضبط وقيادة من الروح، وتكون شهواته وغرائزه قد خرجت عن مستواها الطبيعى، وحيث يكون الإنسان قد عايش الخطية وقبلها فى كيانه كله بل واتحد بها زمناً طويلاً (والخطية فى طبيعتها هى جسدية ونفسانية وتقوم اصلاً على تعدى وصايا الله وبغضة أى قانون روحى يحد من حرية تلذذ الجسد وكبرياء النفس)، لذلك أصبح بدء الحياة الروحانية بعد الميلاد الجديد بمقتضى قوة العهد الجديد التى هى الروح القدس وتحت قيادته أمراً غير مريح للجسد ومكروها لدى النفس التى تكون قد اتحدت مع الجسد وانحازت لكل غرائزه وشهواته واستمدت منه كبرياءها وحريتها. وعند هذا الحد المتصارع بين الروح فى الإنسان الجديد المولود من الله والمتحد بالروح القدس، وبين الجسد المتمرد والنفس المنحازة له فى الإنسان العتيق، يبدأ الإنجيل يضع الوصايا والخطوات العملية لتحرير روح الإنسان الجديد من سطوة الجسد وتحالفه مع النفس، هذين اللذين يكونان كياناً معاً كياناً واحداً متحداً هو كيان الإنسان العتيق ، إنسان الخطية والشهوات والغرور والحرية الكاذبة حيث تكون فيه النفس هى مركز كل اهتمام الإنسان أى مركز تفكيره وعمله وحبه وبغضته وحزنه وفرحه وسلامه وخوفه ومجده وحتى عبادته!! فهو يعمل لتمتدح نفسه ، وإذا لم تمتدح نفسه يكره العمل. وهو يحب لأن نفسه نالت رضاها ومسرتها وكرامتها وهو يبغض لأن نفسه لم ترتاح ولم تكرم. يحزن لأن نفسه قد جرحت وتألمت وفقدت مصدر سرورها وعطفها ، ويفرح لأن نفسه نالت شهوتها ومجدها وملذاتها.
يشعر بالسلام عندما تأمن نفسه للظروف ويشعر بالخوف عندما تفقد نفسه أمانها.
يحارب ويفاوض ويسهر ويجتهد لتتمجد نفسه ويكسل وينام ويكف عن الجهاد والإجتهاد إذا لم يكن وراء ذلك مجد لنفسه.
يعبد ويصلى ويطيل الصلوات ويتقن اللحن والصوت وينشط فى أداء الفرض لتظهر نفسه قديسة وعابدة لتنال من الناس كرامة الإله، ويكف عن العبادة والصوم ويختصر الصلاة ويسرع فى التلاوة ويكسل عن آداء الفرض ، إذا لم يكن هناك من يسمع ويشاهد ويمدح ويكرم تأله نفسه . " لكى يمجدوا من الناس ... قد إستوفوا أجرهم.
إن النفس عدو حقيقى بل هى العدو الوحيد الذى يقف ضد خلاص الانسان وعبوره إلى الحياة الأبدية. فالمسيح أمرنا بمحبة أعدائنا ولكنه أمرنا ببغضة النفس، لأنه يعلم إن بغضة الإنسان لذاته هى المدخل الوحيد إلى أعماق الروح.
النفس ( الذات ) غلاف معتم يحجز الروح عن ممارسة أعمال الله ممارسة نقية مثيرة لنمو الإنسان الجديد الروحانى وإتصاله الدائم بالله، لحساب الحياة الأبدية.
فإما تتسلط النفس وتستقطب كل نشاط الإنسان فى كل مجالاته الجسدية والنفسية والروحية، وحينئذ يبقى الروح القدس داخل ورح الإنسان محبوساً ومطفأ وإما يقمع الإنسان الجسد والشهوات ويضبط النفس ويجردها من كل سلطانها ويحطها بيديه إلى التراب وحينئذ ينشط الروح القدس ويتلألأ وثنبثق روح الإنسان من خلال عتمة الجسد والنفس لتمارس أعمال النور وتبتهج بخلاصها وتحيا لله.
فإما حرية للجسد ومعها حرية للنفس, والإثنان يسوقان الإنسان إلى الفساد والخطيئة والهلاك الأبدى ، وإما تقييد وقمع وسحق لكل حرية تسوق للفساد والخطيئة فيتحرر الروح وينطلق ليضىء.
لا يمكن الجمع بين حرية النفس المتعاهدة مع الجسد، وبين حرية الروح المتحدة بالروح القدس. لابد وان يتوقف الانسان العتيق عن نشاطه المفسد وعن حريته التى تؤول حتماً إلى الخطيئة ، لكى ينشط الانسان الجديد المخلوق بحسب الله ليعيش حسب الله فى القداسة والحق.
**********
كيف ينحل الإنسان العتيق ويموت ليعيش ويحيا الإنسان الجديد؟
الإنسان ليس فى مقدوره أن يميت الإنسان العتيق أو يحيى الإنسان الجديد. الله وحده بيده سلطان إماتة العتيق وإحياء الجديد مائة بالمائة! وهو يبدأ بنفسه فى إماتة الإنسان العتيق منذ أول لحظة يتم فيها ميلاد الإنسان الجديد بالمعمودية والماء والروح القدس ويستمر فى تكميل خطته حتى آخر لحظة فى الحياة
أما الذى يدخل فى إختصاصنا من جهة موت الإنسان العتيق وحياة ونمو الإنسان الجديد فهو يتلخص فى :
* وعى كامل : لما يعمله الله فينا لإماتة العتيق وحياة الجديد لتكميل الخلاص
* قبول كامل : لكافة الوسائل التى يختارها الله لتكميل خطته
* عدم وضع العراقيل : فى طريق الله لتعويقه عن تكميل خطته فى الوقت المناسب
* عدم تزييف عمل الله : فنتظاهر بموت الإنسان العتيق وهو لم يمت ونتظاهر بإكتمال نضج الجديد وهو لا يزال طفلاً بل ريما جنيناً.
* عدم التسرع فى حمل المسئوليات الروحية قبل أن يتأكد الإنسان من الإمتلاء الروحى.
الوقوع تحت سلطان كلمة الله الكاشفة بلا ملل ولا كلل حتى يتم تحرير الروح
**********
(أ)الوعى الكامل بخطة الله فينا لإماتة الإنسان العتيق وحياة الإنسان الجديد
* يبدأ الله منذ لحظة الميلاد بالماء والروح ( بالمعمودية ) سواء كانت فى الصغر حينما يشب الإنسان ويتعرف على معنى التوبة _ أو فى الكبر ، بمحاصرة الذات لكبتها ثم إبطال سلطانها، ثم تجريدها وإماتتها.
* وهذه العملية من أشق ما يمكن ، لذلك يستخدم الله كافة الوسائل الممكنة المباشرة ضد الذات أو غير المباشرة التى تؤثر على الذات من بعيد. مع ضغط الله المتزايد الذى لا يكف ولا يهدأ، تتغير وسائله ولكن لا يتوقف عمله، والهدف واحد وحيد هو تحطيم كبرياء الذات وسلطانها وكسر غلافها الذى يسجن داخله روح الانسان الجديد.
* الذات تكون متحصنة فى الجسد ، فهى لكى تتلافى الضربات التى يسوقها الله عليها تستخدم الجسد فيتمارض ويستعفى ، مما يجعل الله يغير وسائلة أولاً بأول.
فهو يسلط الأب والأم والإخوة فى البيت ، والأصدقاء فى المدرسة والشارع , وإن أخفق فى هؤلاء يستخدم الرؤساء والأعداء والوظيفة والسمعة. وإن أخفق فى ذلك يستخدم الطبيعة والحيوانات والحشرات وجميع الظروف. وإن أخفق فى ذلك يستخدم الجسد نفسه فيضعفه ويمرضه.
وإن أخفق فى ذلك يسلِّم الإنسان ليد الشيطان ليهينه ويؤدب ما عسر على يد الرب الحانية أن تصنعه ، فهذا يصنعه الشيطان بلا رحمة!! فيذل الإنسان حتى التراب !!
* كل هذا والرب يتعامل مع الإنسان العتيق مباشرة ، إنما بوسائط مباشرة وغير مباشرة. والذى ألزم الله بهذا كله هو حبه الفائق للانسان من أجل خلاص نفسه وتوريثه الحياة الأبدية وضمه إلى مجده... حيث يكون مركز عمل الله فى الإنسان هو من داخل روحه التى يسكن فيها، لذلك فإن الله لا يكون غائباً عن الإنسان أثناء كل هذا التأديب والقمع والضرب والضغط المتوالى، فهو يكسر ويعصب وبضرب ويشفى ، يميت ليحيى ، كل ذلك من داخل الإنسان الجديد الذى أحبه وإتحد به.
الإنسان فى البداية ، بسبب جهله وبسبب قلة المرشدين المدربين على قيادة النفوس قيادة مستنيرة بروح الله ، يرتبك ويكتئب وتتوه أفكاره فى خضم الظنون: فيحسب إن الله نسيه أو تخلى عنه أو إنه بسبب خطاياه قد فارقته النعمة، ثم إذ يطول الأمر وتطول به سنو التأديب يظن إنه غير مؤهل أصلاً للحياة الروحية . ثم يعود يلعن الظروف والناس والأهل والأصدقاء والرؤساء معتقداً إنها مجرد حظ سىء أو ظلم أو إضطهاد أو قساوة.
وفى هذا يقف الإنسان أمام الله، مرة معاتباً ومرة مخاصماً ومرة شاكياً باكياً ومرة مصلياً صائماً متوسلاً ، لعل الأمور تنجلى ويكف الله عن ظلمة وإضطهاده!
وهكذا يتصعب الأمر ويزداد مشقة بسبب عدم وعى الإنسان بخطة الله الحكيمة المملؤة حباً ورحمة وحناناً لإبطال الجسد العتيق وسحق النفس العاتية المتكبرة العنيدة التى تعاهدت مع الجسد لهلاك الإنسان جملة وتفصيلاً
**********
ب - قبول كامل لكافة الوسائل التى يختارها الله لتنفيذ خطته لإهلاك الذات
* هناك فرق بين أن نعى هذه الخطة الإلهية الحكيمة لخلاص النفس بإهلاك هذه الذات الغاشة المتألهة ، وبين أن نقبل وسائل الله فى عملية إهلاك الذات ، علماً بان كل هذه الوسائل ليس بينها وسيلة واحدة مقبولة لدى النفس ، بل كلها مملوء علقماً ومرارة.
* أما رفض هذه الوسائل فهو لا يمنع الله من تكميلها ، بل كما يقول مار إسحق ( إن الذى يتذمر على التجارب ، تتضاعف عليه ). أما لماذا تتضاعف عليه؟ فلأن تذمر الإنسان يعنى تصلب النفس ورفضها الإنكسار تحت تأديب الله ، مما يضطر الله إلى تأديب أقسى وأشق!!أما هذه القسوة والمشقة الجديدة التى يضيفها الله إلى وسائله بسبب تذمر النفس وعنادها. فمرجعه أيضاً إلى محبة الله المتضاعفة أزاء خلاص الإنسان
فزيادة التذمر لا تعمل شيئاً إلا فى إنها تزيد من رحمة الله ، فتزيد الضربات لضمان خلاص النفس
* أما قبول وسائل الله هذه بما هى عليه من مرارة وعلقم، فهذا معناه أن الإنسان الجديد المحبوس فى الداخل بدأ ينضج ويعى ويسعى لحريته من طغيان النفس وإفسادها لحياة الإنسان
* هنا الشكر والصلاة وقبول الضربات والإذلالات والضيقات والمحن والضغوط والأمراض التى يرسلها الله، تعمل على سرعة إنكسار النفس وإنطلاق الإنسان الجديد حيث يكون معنى ذلك أن الروح بمساعدة الروح القدس بدأت تأخذ سلطانها على النفس وتطرحها إلى الأرض
**********
( ج )
عدم وضع العراقيل التى تعوق الله عن تكميل خطته لإهلاك الذات فى الوقت المناسب
هناك وسائل مضادة كثيرة يقوم بها الانسان بسبب جهله وعماه لوقف وإبطال وسائل الله لإهلاك الذات منها :
* التهرب من قبول التأديب والفرار من الضيقات بالممالأة أو الكذب أو الرشوة أو الإنتقال من الوظيفة والمكان أو البيت أو الطلاق أو المحكمة أو الإستسلام للباطل أو تغيير العقيدة أو بتصنع الغضب أو أستخدام القسوة . كل هذا لكى يتهرب الانسان من مواجهة التأديب الذى يرسله الله بميزان وحكمة لخلاصنا من الذات وعتوها وتألهها!!
* الشكوى والتظلم وتزكية الذات ضد الوسائل التى يستخدم الله فيها الناس للضغط على الذات وكشف كبريائها لإذلالها وتحطيمها . كل هذا يجعل الناس يقفون فى صف الذات ضد الله وضد تصرفاته، مما يغضب الله جداً ويجعله يزداد قسوة على هذه الذات المراوغة. وهذا كله يطيل من الزمن اللازم للإنهاء على سلطان الذات
**********
( د )
عدم تزييف عمل الله: فنتظاهر بموت الإنسان العتيق وهو لم يمت ونتظاهر بإكتمال نضج الإنسان الجديد وهو لا يزال جنيناً
هذا يعتبر أخطر أنواع العراقيل التى نضعها أمام الله، فنصعب عليه خطة خلاصنا من الإنسان العتيق ، وربما يتسبب فى توقف العملية برمتها!!
هنا الذات تتظاهر بموتها لكى لا تموت ، وتتقمص الإنسان الروحى الجديد وتزيف أعماله، لكى تسد الطريق أمامه ، وتنضم إلى زمرة الروحانيين وصفوفهم لكى تتجنب كل وسائل الإماتة المناسبة لقامتها
هذا العمل خطر جداً على الإنسان ، لأنه فى لحظة يتخلى الله، فيفقد الإنسان قدرته نهائياً على إدراك حقيقة نفسه وغشها وخداعها، لأن العدو يمده حينئذ بقوة ومهارة للتظاهر والغش ولإفساد ليس حياته هو فحسب ، بل وحياة الأخرين: ملاحظين لئلا يخيب أحد من نعمة الله، لئلا يطلع أصل مرارة ويصنع إنزعاجاً فيتنجس به كثيرون.
أما مواصفات هذه النفس فهى كالآتى :
* تتكلم عن محبة الله وليست فيها أية حرارة لمحبة الله .والمخدع يشهد بذلك
* تكرز بالصليب والآلام ، وليست فيها أية رغبة على تحمل الظلم أو الإهانة أو الألم
* تتكلم وتبشر بالقيامة وببهجة القيامة وليست فيها أية حركة داخلية تفيد إنها بدأت
تقوم من قبر شهواتها وزناها
* تكرز وتعظ وتبدى غيرة وحماساً لخلاص الخطاة وهى من الداخل قلبها كالثلج لا يحس لا بالخطاة ولا بالخطية ولا بأية غيرة على خلاص الناس
* تدعى بالتصريح وبالتلميح إنها لا تتكلم عن نفسها بل هى نعمة الله المتكلمة على لسانها. وفى كشف الضمير وفى نور الروح القدس يتضح لها وللناس إنها فى الحقيقة إنما تحب الوعظ والكلام للظهور وتزكية الذات. وهكذا يتضح إن العمل ليس نعمة ، ولكن ذكاء ومهارة ومواهب طبيعية، إستخدمتها الذات ضد نعمة الله لكى لا تموت!!وإستخدمت كلمة الله ضد الله لكى لا يكمِّل خطته لإهلاك الذات، حتى لا يستطيع الله أن يعمل عمله الحقيقى بواسطة الإنسان الروحى الجديد فيها!
وهكذا نعلم الآخرين ولا نقبل نحن أى تعليم، وإن قبلنا التعليم فنقبله بعقلنا فقط، لا لكى يؤول التعليم إلى موت الذات بل لكى يصير ذخيرة عقلية للتعليم لحساب انتفاخ الذات. وهكذا يفلت الإنسان من سيف كلمة الله الكاشفة.
* نعيش فى وسط الإخوة كعضو فى جسد المسيح، ولكن لا نحس بأى عضو آخر. لا نئن بأنين الآخرين ، ولا نريد أن نحزن بحزن الآخرين، بل على العكس تسعى الذات لترتفع على أكتاف الآخرين وتستغل وجودها فى وسط الأعضاء لتتمجد على حسابهم وتترأس عليهم. وهكذا بغبائها وكبريائها تفقد نعمة وبركة الشركة مع القديسين
قلنا إن الله يتصعب عليه جداً كشف مثل هذه الذات وإبطال نشاطها المزيف حتى يمكنه ان يطلق الروح من سجنها الداخلى
هنا يلح علينا المسيح جداً أن ننتبه : هل يجتنون من الشوك عنباً
إن لم تقع حبة الحنطه على الأرض وتمت فهى تبقى وحدها
ليس أحد يضع رقعة من ثوب جديد على ثوب عتيق وإلا فالجديد يشقه والعتيق لا توافقه الرقعة التى من الجديد
الإنجيل يحذر :
* إن ظن أحد إنه شىء وهو ليس شيئاً فإنه يغش نفسه
* إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ( أى المسيح )ليس له
* ألعل ينبوعاً ينبع من نفس عين واحده العذب والمر؟
أما الذى يساعد جداً على هذا التزييف فهو المواهب الطبيعية من ذكاء ومنطق وحيلة وإتضاع مزيف ومكر وقدرة على تغطية الذات وعدم إظهار نجاستها وكبريائها وتصنع الإتضاع والوداعة بالكلام الرقيق والصوت الواطى
ولا يدرى الإنسان إن بإستخدامه الجزئى لهذه المواهب الجسدانية، يسد الطريق على إنسانه الجديد، ويحرم روحه من إندفاق مواهب الروح الصادقة وإستعلان نعمة المسيح فى وقتها لمجد الله. فبدل أن يخلى الطريق بموت الذات حتى يستعلن فيه المسيح وتتقوى الكنيسة كفم صادق أمين للروح القدس، بدل ذلك كله يستعلن هو ذاته ويزكى مواهب نفسه ليتمجد ثم يموت ، ويموت معه عمله ومجده فى التراب.
ألا تدرى ايها الإنسان أن مواهب النفس الجسدانية تموت بموت الجسد ولا يكون لها جزاء أو تزكية. ماذا يستفيد الإنسان لو ربح مجد نفسه وخسر مجد المسيح؟!!
أما الذين يظنون أن الكفاءة والقدرة الجسدية من حجة ومنطق ولسان متدرب وذكاء ، تكفى لأداء عمل الإنسان الجديد فيكفيهم قول المسيح : الروح هو الذى يحيى . أما الجسد فلا يفيد شيئاً . هذه الحقيقة تغيب فى البداية عن كثيرين، ولكنها تفرض نفسها حتماً فى النهاية، حيث يصطدم بها الإنسان بعد أن يرى كل جهده وعمله الذى بناه بقدراته الذاتية قد ضاع هباء
فى بداية التزييف يستخدم الإنسان مواهبة الطبيعية فى خدمة الله ليظهر إنه صار إنساناً روحانياً صالحاً للتعليم، وبعد أن يتعتق فى التزييف يبدأ يستخدم خدمة الله وخدمة الإنجيل لحساب مجده الشخصى وإظهار عبقريته وقداسته. والقريبون من هذه النفوس يكشفون تورطها فى تزييف نفسها ويشفقون عليهم وعلى الكنيسة لأنه كان يمكن لو أن هذه النفوس خضعت لمعاملات الله واستسلمت لوسائله فى كسر عتوها وكبريائها، لإستطاع المسيح أن يتمجد فيها عشرة آلاف مرة. ولإنتفعت منها الكنيسة ربوات مرات
**********
عدم التسرع فى حمل المسئوليات الروحية قبل أن يتأكد الإنسان من الإمتلاء الروحى
الأسباب التى تدعو إلى التسرع فى حمل المسئوليات كثيرة وأخطرها هو إنحطاط المستوى العام للمسئولين وأصحاب الوظائف الكبيرة فى الخدمة، مما يسهل على أى إنسان أن يرى نفسه إن لم يكن أفضل من رؤسائه - فهو على الأقل ليس من دونهم ، وهكذا ينحدر المستوى العام بسرعة مخيفة.
ولكن ما هى النتائج المترتبه على مثل هذا التسرع فى حمل المسئوليات قبل أن يموت الإنسان العتيق وتضبط النفس ويتم الإمتلاء من الروح القدس ، حسب شرط الإنجيل الأساسى فى حمل المسئوليات؟
أولاً : الإرتباك الروحى :
ومعنى الإرتباك الروحى هو إن الإنسان لبس ثوباً أوسع من إمكانياته ، وحمل سلاحاً أثقل من كاهله ، ووضع على عنقه نيراً أصعب من إحتماله . وهذا يكشف فى الحال أن الإنسان بدأ يخدم خلاص الآخرين قبل أن يكمل خلاص نفسه.
ولكن بحسب التشخيص الروحى هذا الإرتباك جاء نتيجة مباشرة للقيام بأعباء روحية بإمكانيات جسدية ، فوقع الحمل الروحى لا على الروح بل على الأعصاب والمخ وهكذا يبدأ الإنسان يئن منذا أول خطوة ويطلب الطبيب بدل أن يطلب المسيح. هذا إذا كان جاداً وأميناً فى محاولته لأداء رسالته، إما إذا كانت المسألة إدعاء ومظاهر. فالأمور تسير جسدانياً فى كل شىء
* العمل الروحى يلزم أن يقع بكامله على الروح حيث تمتد الروح قوتها وطاقتها من الروح القدس مباشرة . وهذا حينما يكون الإنسان قد بلغ النضوج الروحى، أى حينما يكون الإنسان العتيق المدعى والمزيف لأعمال الله قد مات ، وإنبثق الإنسان الجديد المؤازر بالنعمة والمسنود بالروح القدس. وحينئذ يستطيع الإنسان أن يحمل المسئوليات الروحية بلا حدود ويقوم بأشق الأعمال بدون إرتباك.
- أستطيع كل شىء فى المسيح الذى يقوينى (فيليبي 4: 13)
- أما الإنسان الروحى فيحكم فى كل شىء وهو لا يحكم فيه من أحد (1 كورنثوس 2: 15)
لأن الأعمال الروحية لا تؤذى الروحانيين ولا تربكهم ولا تعوقهم عن خلاصهم ولكنها تؤذى غير الناضجين بسبب تدخل الإنسان العتيق
وفى ذلك يقول بولس الرسول صراحة
وأنا أيها الإخوة لم أستطع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين كأطفال فى المسيح. سقيتكم لبناً لا طعاماً لأنكم لم تعودوا بعد تستطيعون بل الآن أيضاً لا تستطيعون لانكم بعد جسديون (1 كورنثوس 3: 1-2)
أما السبب فى إنه دعا أعضاء كنيسة كورنثوس إنهم جسديون وأطفال فى المسيح فهو لأن فيهم حسد وخصام وإنشقاق
وفى موضع آخر يقطع بولس الرسول فى أن الذين لم يتخلصوا بعد من سلطان الجسد العتيق يستحيل عليهم القيام بأعباء ناموس الله وخدمة الروحيات بإعتبار إن هذا الجسد سيعيقهم تماماً إذ ليس هو خاضعاً لناموس الله لأنه أيضاً لا يستطيع
لذلك أصبح إنشغال أى شخص بالروحيات وهو لا يزال مربوطاً بعد بالإنسان العتيق الذى يعمل على مستوى العواطف الذاتية والأعصاب والكفاءة العقلية والذكاء وسرعة البديهة والهروب من المخاطر وفى غيبة كاملة عن عمل الروح القدس. أصبح أمراً مخسراً جداً للمسيح والكنيسة. ولن يخلو من الحسد والخصام والشقاق كما يقول الرسول بولس وبهذا تهان الروحيات وتلام الخدمة وتكثر العثرات.
ثانياً : أما النتائج المترتبة على التسرع فى حمل المسئوليات الروحية قبل موت الانسان العتيق واكتمال ملء الإنسان الجديد من الروح القدس، فهى تبديد طاقات الإنسان الطبيعية وضياع الوقت سدى فى أعمال وأقوال وإنشغالات، كلها من إختراعات الإنسان العتيق ، فى محبة خاطئة ، فى إنسراق من العواطف الجسدية، فى طمع وربح باطل ، فى تعزيات جسدية كاذبة ، فى محبة أهل، فى إستغراق فى شهوات، فى فرح كاذب ،فى حزن كاذب ، فى هموم نفسية لا طائل تحتها ولا داعى لها ، فى غضب مفسد ، فى عداوة وحسد وخصام ، فى كلام ورغى بلا لزوم. وهكذا لا يتبقى كرصيد للعمل الروحى إلا ما لا يكفى وما لا يستر.
ومن ذلك يتبين بلا أى إلتباس أو غموض، حتمية الإنهاء على الإنسان العتيق قبل البدء بتحمل أى مسئوليات روحية من أى ننوع، وإلا فالمسيح هو الخاسر ، والكنيسة هى ستظل تعانى من حاملى مسئوليات بلا روح!!
وهنا نضع تحت عين القارىء آيات تنادى الروح من الأعماق:
- إسمعى يا بنت وأنظرى وأميلى أذنك ، وأنسى شعبك وبيت أبيك !! (مزمور 45: 10)
- أذهب من أرضك ومن عشيرتك..وهلم إلى الأرض التى أريك ( تكوين 12 :1).
_ الذى ولد حسب الجسد ( الإنسان العتيق) يضطهد الذى حسب الروح ( الإنسان الجديد). أطرد الجارية وإبنها لأنه لا يرث إبن الجارية مع إبن الحرة. إذاً أيها الإخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة أى لسنا مولودين من جسد ولا من مشيئة رجل بل مولودين من الله. لسنا بعد أولاد "بابا وماما" ولكن أولاد كنيسة مجاهدة ، أولاد الصليب والقيامة
الوقوع تحت سلطان كلمة الله الكاشفة بلا ملل ولا كلل حتى يتم تحرير الروح " من أراد أن يخلص نفسه يهلكها"
كيف نفرط فى نفسنا ونطلب هلاكها، إلا إذا كرهناها وبغضناها؟ وكيف نبغض أنفسنا حسب وصية المسيح، إلا إذا كشفنا بيقين إنها أخطر عدو يتربص بنا لهلاك حياتنا وحرماننا من المسيح والخلاص إلى الأبد؟
ثم كيف نكشف حقيقة أنفسنا ونتأكد إنها عدو خطير إلا تحت قوة كلمة الإنجيل الكاشفة ونحت نور الروح القدس!!
إن أعظم ميراث روحى ثمين تركه لنا المسيح هو كلمته لانها روحه ، الكلام الذى أكلمكم به هو روح وحياة (يو 6 :63) . روح الله فى كلمة الله يفحص كل شىء، ويكشف كل شىء، حتى أعمق أعماق الضمير.
كلمة الإنجيل يصوبها الروح القدس إلى داخل الإنسان، حتى يكشف بها الإنسان أفكار قلبه وإتجاهاته، ونياته وأعماقها!
وهى فى دخولها إلى الداخل تكون كالسيف الحاد ذى الحدين الذى يخترق بقوة وجبروت حتى يبلغ مداه، لا يقف أمامه لحم ولا عظم.
- فإذ نحن عالمون مخافة الرب نقنع الناس. وأما الله فقد صرنا ظاهرين له . وأرجو أن نكون قد صرنا ظاهرين فى ضمائركم أيضاً. (2 كورنثوس 5: 11)
ولكن أخطر منطقة تبلغها كلمة الله الكاشفة هى المنطقة بين النفس والروح، حيث يمكن أن تختلط على الإنسان أعمال النفس بأعمال الروح. لأن فى هذه المنطقة يعسر على أى إنسان أن يكشف ما هو العمل النابع من النفس المستمد أصلاً من الذات والجسد وأهوائه، وما هو العمل النابع من الروح المستمد من إرشاد الروح القدس ونعمته.
وفى اللحظة التى يكشف الروح القدس بواسطة الكلمة عملاً من الأعمال الروحية التى نتكل عليها ونفرح بها ونفتخر إننا نعملها بالنعمة. فجأة يعلن الروح للضمير أن هذا العمل ليس من عنده، وهو من إيحاء الذات وحدها، وأن كبرياء الإنسان وطموحه هو الذى يغذيه، وليس النعمة . حينئذ تنفضح أعمال النفس وتنفصل عن أعمال الروح ، وتبتدىء تنكشف أفكار القلب ونياته بلا مواربة
**********
ماذا حدث هنا؟
لقد استطاع الروح القدس بواسطة كلمة الإنجيل أن ينفذ من خلال غلاف الذات المظلمة المعتمة المزيفة ، ينفذ إلى داخل الروح ويوقظ الضمير الذى خدرته الذات بكذبها وخداعها، ثم يمده ببصيرة وحكمة وإفراز إلهى ليدرك ويفرق بين ما هو باطل وما هو حق، وفى الحال تقع عين الإنسان الروحية على السلوك والأعمال والأقوال التى كانت تدعيها الذات إنها من الله، فيكتشف إنها أعمال مغشوشة وأسبابها وأهدافها نجسة غير طاهرة ولا مستقيمة!!
وماذا يحدث بعد ذلك؟
بقدر ما يستجيب الضمير لفعل الروح القدس وبقدر قبول الإنسان لهذا الكشف الإلهى بقدر ما تتحرك الروح داخل الإنسان وتنمو وتتشدد وتتقوى، وحينئذ يبدأ الجسم العتيق فى التقهقر ، تماماً كما تدخل المياه داخل قشرة البندق المدفونة فى الأرض من الثقب الصغير الذى فى الطبقة الصلبة، وينفذ إلى الجسم الداخلى فينتفخ، وينمو ويضغط على القشرة فيكسرها، وتخرج البادرة الخضراء وتشق الأرض المعتمة إلى النور.
حينما يستيقظ الضمير بقوة الروح بالكلمة التى تنفذ إليه. تتشدد الإرادة الروحية وتتحرك الغيرة ضد الإنسان العتيق وأعماله التى تبدو كريهه كريهه إلى أقصى حد، حتى لا يعود الإنسان يحتملها أو يتصور كيف عاش هذه السنين بهذا الضمير النائم وتحت سطوة هذه النفس القبيحة! وحينئذ يبدأ الروح يتحرر من عبودية الجسد : إن ثبتم فى كلامى فبالحقيقة تكونون تلاميذى وتعرفون الحق، والحق يحرركم. من يعمل الخطية هو عبد للخطية.
مزيد من الكلمة ومزيد من النور:
بقدر المداومة تحت كلمة الله ، يزداد النور الإلهى ويزداد الإلهام داخل الضمير فى حدود ما يمكن عمله للتخلص من العادات والسلوك المخالف للحق الإلهى ، وتزداد الأمانة للروح القدس فى كل كلمة وكل تصرف.
وبالإستمرار فى الوجود فى دائرة النور والحق الإلهيين ، يبدأ الجسد العتيق يجف ويتقلص وتتوقف حركته شيئاً فشيئاً معطياً المجال للروح الذى يبدأ يستجيب لكل نداءات النعمة بسهولة . وبقدر ما تبدأ الأعمال الروحية مع تصرفات النعمة، بقدر ما تبدأ أعمال الجسد والشهوات تخمد وتتوقف " إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون " ( رو 8 : 13 )
كلمة الله حية وفعالة ، مزيد من التمسك بالكلمة كسلاح وسراج :
لا يحمل الإنسان هم تخلصه من إنسانه العتيق ، طالما هو أمين جداً للكلمة، الكلمة حية وفعاله ، كل ما هو مطلوب من الإنسان أن يقبلها كسيف يفتح لها كل قلبه وكل نياته، ويسلطها على كل فكر وكل تصرف حتى تكمّل فعلها فى القلب والضمير والفكر والإرادة بالنخس الدائم.
+ حينما يقول الكتاب إن كلمة الله حية ، فهو يطمئننا إنه بمجرد أن نفتح لها ونجعلها تسكن فى قلبنا فإنها لن تقف بدون عمل !!
وحينما يقول إنها فعاله ، فهو يؤكد لنا إنها لن تكف عن الفعل حتى تكمل مشيئته الذى أرسلها : " هكذا تكون كلمتى التى تخرج من فمى لا ترجع إلىَّ فارغة بل تعمل ما سررت به وتنجح فيما أرسلتها له ( إشعياء 55 : 11 ) فقط ، تأكد إنك أمين جداً وصادق جداً للكلمة ، وإنك تفتح لها باب قلبك بسرور ، وتسكنها فى داخلك بصدق وأمانة .
لا يمكن للإنسان العتيق أن يستمر نشاطه فى حضرة النعمة ، وفى نور الحق الإلهى المسلَّط على الضمير بواسطة الكلمة . بل حتماً سيتناقض نشاطه حتى يتوقف، طالما الكلمة لها سلطانها داخل القلب.
إذن فتمسكنا بالكلمة وخضوعنا لحكمها وندائها وتشجيعها ، هو سلاحنا الذى نحارب به ، وسراجنا الذى نسير عليه ، حتى نخرج من ظلمة الإنسان العتيق إلى نور المسيح وحرية الروح القدس ، كأبناء للنور والحق.
**********
علامات صادقة تبين موت الإنسان العتيق
+ يستحيل يستحيل أن تكون هناك إستنارة صادقة ونعمة فعالة لمجد الله مع وجود الإنسان العتيق.
+ وجود أى نشاط للإنسان العتيق يحوِّل الإستنارة إلى دعاية للذات بطرق ملتوية ويحوِّل النعمة إلى مجد للذات . وهكذا تتلوث الحياة الروحية والخدمة ، ويخرج الإنسان من العالم صفر اليدين.
- " إن قلنا إن لنا شركة معه وسلكنا فى الظلمة نكذب ولسنا نعم الحق ." ( 1يوحنا 1: 6)
- " كل من ولد من الله يغلب العالم. " ( 1يوحنا 5 : 4 )
+ موت الإنسان العتيق يعطى فرصة للروح القدس أن يشهد فينا بقوة لله. وضمن ذلك يشهد فى ضمائرنا وضمائر الناس جميعاً إننا أولاد الله بالحق ، ليس بالمظاهر والكلمات ، ولكن بالسلوك وكل تصرفات الإنسان التى تخرج منه .
- وبهذا نعرف إنه يثبت فينا من الروح الذى أعطانا. ( 1يوحنا 3 : 24 )
+ طالما النور الداخلى شغَّال ، فالظلمة بكل أعمالها مكروهة وموبخة ومطرودة بلا هوادة. والضمير حارس نشيط على الحق الإلهى لا يقبل التفريط فيه بأى ثمن ولأى سبب.
- الكل إذا توبخ يُظهر بالنور، وكل ما أُظهر ( الإعتراف ) فهو نور. ( أفسس 5 : 13 )
- " إن لم تلمنا قلوبنا فلنا ثقة من نحو الله . " (1يوحنا 3 : 21 )
+ طالما الإنسان العتيق موقوف وممات ، تزداد حساسية الروح ضد أى مجد باطل لا بالكلام ولا بالفعل ، إذ يعتبره الروح سرقة هياكل وتجديفاً غير مباشراً.
- " كيف تقدرون أن تؤمنوا ( بالله ) وأنتم تقبلون مجداً بعضكم من بعض ؟ " ( يوحنا 5 : 44)
إختبر نفسك هل ترتاح للتكريم والتمجيد؟ هل تضطرب من الإزدراء والإهمال والتقليل من كرامتك؟ إذن أنت لم تمت بعد .
+ الجسد العتيق ميت معانه أن العبادة دخلت صدقها الإلهى وتخلصت من المظاهر والمجاملات والإستعراضات وتصنع التقوى الميت .
- " الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا له . " ( يوحنا 4 : 24)
وهذا معناه كالآتى :
الله لا يتلاقى مع الإنسان قط إلا فى روحه ! حيث يصير التلاقى ثابتاً. كل عبادة عقلية أو عاطفية تقف وتتشتت ، أما العبادة بالكيان الروحى الداخلى فلا تتشتت قط، حيث لا تعود العبادة تتوقف على ما نحفظه بعقلنا ولا ما نؤديه بعاطفتنا ولكن على ما نعيشه بروحنا "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىًّ " (غلاطية 2 : 20) وتُختبر صدق هذه العبادة بتجارب كثيرة لتتزكى.
اختبر نفسك هل تنشط عبادتك وصلاتك بالمديح ، هل تزداد غيرتك أمام الناس والرؤساء؟ إذن أنت لم تمت بعد .
+ الإنسان العتيق ميت معناه ثبوت دائم فى المسيح يزداد ولا ينقص ، علامته صلاة لا تتوقف من القلب ، ورغبة مستمرة للسجود بسبب الإحساس بحضرة الرب وليس طلباً لشىء ، مع سلام داخلى لا يتزعزع.
+ الإنسان العتيق ميت معناه تلامس قريب ودائم مع الإستعلان القائم فى كلمة الإنجيل، كلما يقرأ الإنسان يستنير بلا حدود.
وكل إستنارة تؤدى فى الحال إلى كشف عن نقص كان مستتراً وحينئذ يستسلم الإنسان فى الحال للوقوع تحت توبيخ الحق والرجوع فى الحال عن أى إنحراف بدون مناقشة ولا إعتذار ولا إهمال. وهذا هو الإتضاع العملى تحت يد الله.وهذا هو سبيل الملء الروحى الوحيد.
اختبر نفسك ، هل كلمة الإنجيل تزيدك معرفة بخطاياك وتكشف عوار حياتك أولا بأول؟
+ الإنسان العتيق ميت معناه إرادة حاضرة تحت يد الله ، وخوف ملازم للنفس ، وحذر شديد حتى لا تحدث أية مخالفة للنعمة المرافقة. وهذا يكون زائداً جداً فى بداية الخروج من سلطان الجسد العتيق . ثم تبقى هذه النعمة مرافقة للإنسان مدى الحياة تلهبه ناراً للعبادة والصمت المقدس.
+ عندما يموت الإنسان العتيق يموت معه الإحساس الشديد بالعالم الخارجى ن لذلك لا تعود الأعمال الكثيرة والخدمات المتنوعة قادرة على فصل الإنسان عن الوجود فى حضرة الله والإحساس الدائم بالعبادة ورغبة السجود الملحة التى لا تكف. الروح فى الداخل يصير فى إتصال وود دائم مع الله.
+ بموت الإنسان العتيق لا تعود العواطف والأفكار والإرادة ملكاً للذات ، تتلاعب بها الأهواء والنزعات النفسية، وتهبط وترتفع تبعاً للظروف، بل يسيطر عليها الروح القدس ويضبطها لخدمة الخلاص للنفس وللآخرين. وهكذا ينعزل الروح الداخلى عن ارتباكات العالم ويستمر فى الصلاة ، وكأن الإنسان أصبح فوق العالم ، وتتحول كل العواطف والمشيئات لحساب الله.
+ بموت الإنسان العتيق ، يأخذ المسيح حريته فينا، ويصير ظاهراً فى حياتنا يعلن نفسه كيفما يشاء، يدخل إلينا كلما يشاء فى المخدع ، فى القلب ، فى الفكر ، فى الضمير ، فى الجسد ، فى الكلام ، فى الصمت ، بلا عائق يتحرك فينا ويتكلم فى فمنا ، يضىء قلبنا فنرى ما لا يُرى حتى يصبح الإنسان كنزاً مفتوحاً لحساب الكنيسة.
+ بموت الإنسان العتيق ، يصبح الإنسان واضحاً للآخرين ، مفتوحاً على كل نفس ،ملكاً لكل إنسان ، صديقاً لكل إنسان ، ينساب إلى قلوب الآخرين بمجرد الحديث إليهم ، لأن المسيح يمارس فيه وجوده وإتضاعه وصبره وحبه. وهكذا يصير الإنسان مصدر فرح وبناء للآخرين ، ليس للتسلية والكلام الناعم والعزاء الرخيص ، ولكن للتقويم والتهذيب لإماتة الإنسان العتيق فى الآخرين.
**********
نصائح أخيرة
+ يلزم أن يراجع الإنسان نفسه كثيراً ليتأكد فى كل لحظة : أولاً إنه يعيش لله وثانياً إنه ينقاد بروح الله .
+ لا يمكن الإنفكاك من الإنسان العتيق إلا إذا بلغ الإنسان اليأس الكامل من الجمع بين الظلمة والنور ، حب الذات وحب الله ، تمجيد الذات وتمجيد الله ، الكذب والصلاة ، النجاسة والعبادة ، الطمع أو الطموح والتقوى . العالم والله ، الذم والنم والمحبة ، محبة الرئاسة والرهبنة أو النسك.
+ بدل أن تباغتنا تأديبات الله فنتوجع منها ونستغربها ، علينا أن نسرع ونقدم أنفسنا للتأديب والتوبيخ تحت يد الروح القدس معترفين بأوجاعنا الداخلية أمامه بدون غش أو مواربة ، حتى نقبل تهذيب النعمة لكسر كبريائنا وتوضيع إفتخارنا وتطهير نجاسات قلبنا بنار تأديباته. عالمين إن وراء تأديبات الله عمليات اختبار وامتحان كلها لضمان خلاص النفس واستيفاء ديونها وإعدادها لملء الروح وتهيئتها للشهادة الصادقة.
+ الإبن المطيع العاقل يكشف عيوبه وأمراضه لأبيه وطبيبه ليشفيه منه ، كل منهما بطرقه الخاصة.
+ التلميذ لا يخفى جهله ولا يتظاهر بالعلم كذباً ، وإلا فمآله إلى الصياعة.
+ الإبن لا يثق فى أبيه ، وليس له أن يسأله عن كيفية أو منهج تهذيبه.
+ التلميذ لا يسأل مدرسة عن مدى المقررات والمناهج المفروضة
+ الروح القدس سيعمل فيك عكس ما أنت تعمل مع نفسك تماماً.
أنت كنت تغطيها وتسترها بالأقوال الروحية والأعمال الريائية المقدسة والصوت المتضع المنخفض ، والروح سيكشف ويفضح ويعرِّى ، ليظهر عيوبك أمام عينيك ، والناس إ ذا لزم الامر.
أنت كنت تربى الإنسان العتيق على الكذب والفسق والرياء والكبرياء ، والروح القدس لا يربى روحك وينميها إلا بعد وضع حد لكل أعمال الإنسان العتيق .
+ إذا رفضت وتململت من معاملة الروح القدس لك ، تركك ورفع نعمته عنك لتتردى فى شهواتك وكبريائك وخطاياك وغشك أكثر فأكثر حتى تتورط جدا ً ، وحينئذ لا تجدى صلاة ولا تجدى دموع أو صوم ، وتظل جميع وسائط النعمة بلا ثمر حتى تعترف بمدى عنادك ، وتعود وتنسحق تحت يد الله حتى التراب. لأنه إما أن يسود الروح القدس وتموت الذات فيقود الروح الإنسان كله فى النور، وإما أن تسود الذات وينحصر الروح ويسير الإنسان من ظلام لظلام.
+ " فسيروا ما دام لكن النور لئلا يدرككم الظلام " ( يوحنا 12 : 35 ) ( حيث النور يستمر يكشف النفس )
- الكل إذا توبخ يظهر بالنور ، وكل ما أُظهر فهو نور. ( أفسس 5 : 13 )
- " لماذا لا تفهمون كلامى ( معاملات الروح القدس ) لأنكم لا تقدروا أن تسمعوا لقولى. والذى من الله يسمع كلام الله. "( يوحنا 8 : 47،43 )
- " إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له " ( رومية 8 : 9 )
+ أى تمسك ببعض الإنسان العتيق ، ببقية من أعمال الظلمة فى الخفاء ، لا يمكن أن يظل مستورا ، فسوف تظهر فى سلوكك عفواً دون أن تدرى، فتعطى لروحياتك طعماً مغشوشاً لا يستسيغه أولاد الله، ويكشفونه بعد مدة ويعثرون بك عثرة مميتة ، فتكتسب غضب الله " ويل لمن تأتى بواسطته العثرة . " ( متى 7:18 )
فلا تكن نصف روحانى أو نصف حى أو نصف حار ، لئلا يتقيأك الله. لا تمزج كأس الله مع كأس الشيطان، كأس الله هو حياة حسب الروح وكأس الشيطان هو حياة حسب الجسد.
إن أردت أن تتخلص تماماً من إنسانك العتيق ، سلم نفسك مرة واحدة للروح القدس لتعيش فى النور وأرفض أعمال الظلمة ووبخها ، اقطع بسكين حادة عادات الإنسان العتيق وأهواءه ومزاجه وأفكاره ، لا تشفق على من يريد هلاك روحك وحبسك فى ظلام الموت إلى الأبد . لا ترحم الإنسان العتيق لأنه لن يرحمك.
+ إذا قوى عليك الإنسان العتيق استخدم الحيلة : عندما دخل بعض الأشرار كنيسة القيامة فى زمن أنبا باخوم ، واحتلوها وبدأوا يقيمون فيها عباداتهم بالنجاسة والزنا ، استغاث أسقفها بأنبا باخوم ، فهذا أرسل له نجدة من السواح الذين لهم قدرة على الدخول إلى الأماكن المغلقة دون أن يراهم أحد، فدخلوا داخل الهيكل ومعهم القرابين الطاهرة وبدأوا فجأة فى إقامة القداس ، فانزعج الأشرار وخرجوا بخوف ورعبة وتركوا الكنيسة لأسقفها.
هكذا إذا كان الشيطان قد إحتال على جسدك العتيق وأقام منه هيكلاً لنجاساته وقفل على الروح فى داخلك ، استخدم الصلاة المسكينة والمنسحقة جداً لتكون هى بمثابة السواح ، فتدخل الصلاة داخل روحك وتنعشها وتبدأ روحك تقدم القرابين الطاهرة من الداخل ، أى تقدمة الدموع والتوبة والتوسل واللجاجة ، وحينئذ تقوى الروح وتنتعش وتضغط على الجسد العتيق فتشل حركته وتبطل شهوته وتأسره، استمر فى الصلاة بدون إنقطاع ليل نهار بعناد وإصرار حتى تتحرر كنيسة القيامة داخل حياتك.
_ " لأننا نحن الختان الذين نعبد الله بالروح ونفتخر فى المسيح يسوع ولا نتكل على الجسد " ( فيليبي 3 : 3)
_ " إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون. " ( رومية 8: 13)
- " كل من يجاهد يضبط نفسه فى كل شىء. " ( 1كورنثوس 9 : 25 )
- " أقمع جسدى وأستعبده " ( 1كورنثوس 9 : 27 )
+ حينما يظهر النور داخل قلبك ويكشف لك إنسانك العتيق بقبحه وشناعته وفجوره ، سوف لا تطيق نفسك . لأنك ستراه أقبح مما كنت تظن أو تتصور ألف مرة بل آلاف المرات.
+ سوف يأتى يوم تتأكد فيه تماماً أن كل معاملات الله القاسية معك وكل تأديبات الروح القدس بما فيها من تخلية وإهمال ونسيان ، وإخفاق متعمّد ، وفشل ينادى فشلاً ، وترك الشهوات عليك لإهانة نفسك وجسدك أمام عينيك ، نعم ، ترى أن كل هذه كانت هى هى الرحمة بعينها حتى تتيقظ من نوم الموت وغفلة الهلاك الأبدى، وكانت هى هى الحب الصادق المخلص ومنتهى الشفقة الأبوية ، لأن بهذه الأمور كان يجذبك للخلاص ، ويشهد ضدك كل يوم أنك لست حسب قلبه!! ويقنعك بالواقع العملى أنك لا تزال مرفوضاَ !! أنت تهمل وتتغافل وتنسى الصلاة ، أما هو فلن يهمل تأديبك حتى تعود !!
- " كل من يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل إبن يقبله " (عبرانيين 12 : 6) فلا ترفض تأديب الرب. - " هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها. حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك .( إش 49 : 15 ) بالتهذيب اليومى حتى تكمل قامتنا الروحية.
- "عينى عليك لا أهملك ولا أتركك " (عبرانيين 13 : 5) حتى تصير إبناً صالحاً كاملاً - " أنادى للمأسورين بالإطلاق " (لوقا 18 :4) ، من سجنوا إنسانهم العتيق فى دائرة الخطايا وعادات وشهوات وإهتمامات باطلة.
+ "قال هذا مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يمجد الله بها . ولما قال هذا قال له إتبعنى." (يوحنا 19 :21)
1- أما كيف يتأكد أنه يعيش لله، فذلك حتى ينكشف عند حصر الأعمال والأفكار الداخلية التى يهتم بها القلب وخاصة فى المخدع ، هل هى لله ؟
2- أما كيف يتأكد أنه منقاد بروح الله، فذاك ليس من النجاح الذى يلاقيه فى عمله أو ماله أو خدمته أو فى أقواله أو فى قبول الناس له أو تكريمه أو حبه ولكن فى عزائه الداخلى ، فى دموعه فى صلاة المخدع فى الخفاء ، فى صلواته التى بلا تشتت ، فى سرعة رجوعه وإعتذاره عن خطأه ، فى تنازله السريع عن كل شىء دنيوى يعثر الآخرين ، فى حبه للصمت والإعتزال لمراجعة النفس. هذا كله يثبت أن يد الله مع الإنسان لتكميل خلاصه وإنه منقاد بروح الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أترك تعليقا حول الموضوع نفسه، حتى وان اختلفت معي يبقى الود والحب الشخصي مع كل انسان .
ملحوظة: يسمح حتى بسب وشتم الكاتب ، أما الأم أو الاب او باقي اعضاء العائلة ، فلن يسمح بنشرها ، لهذا السبب فقط يتم الاشراف على التلعيقات ونشرها بعد مراقبتها .
أي تعليق خارج الموضوع لن يسمح بنشره لعدم التشتيت والاحتفاظ بالنظام، شكرا لتفهمك. الرب يبارك حياتك